الاثنين، 13 أغسطس 2012

سوريا... وأنتم تعتقدون أن الأمر يدور حول ديكتاتور..؟
التفاعل العالمي للأزمة السورية يُظهِرُ سذاجة كثير من المعلقين السياسين الألمان وجهلهم بالسياسة العالمية.. عشر دقائق كدرس مساعدة لايضر...
بقلم:Hans-Christof Kraus
ديكتاتور دموي.؟
إذا تابعنا عرض هذه الأزمة في مختلف البلاد الغربية يظهر لنا أن السؤال هو: هل يستطيع الشعب السوري أن يتحرر من حاكمه..؟
هنا نقف موقف المندهش المتعجب من كبر هذه السذاجة التي يفترض أن يُعاقَبُ عليها، أو ببساطة عدم الاكتراث من الكثيرين الذين يعرضون هذه الأزمة السورية يومياً، وخاصة إذا أرادوا أو يوضحوا خلفيات المد والجذر في هيئة الأمم المتحدة بين أمريكا والدول الغربية من جهة، وبين روسيا والصين من جهة أخرى.
يتابع الإنسان الأخبار في البلاد الغربية فيظهر له أن الأمر متعلق فقط بما إذا كان الشعب السوري قادراً على التحرر من ديكتاتور دموي ام لا...
خاصة في ألمانيا يبدو هذا الجهل بحقائق ما يجري قد تخطى حدود الإمكانيات إلى درجة محاولة سؤال روسيا ما إذا كانت على استعداد لاحتضان الرئيس بشار كلاجئ سياسي..!!
ولكن الحقيقة هي بعيدة كل البعدعن هذه الرؤيا، وتتعلق بمواضيع مختلفة جداً عما يجري..
خطوط المشكلة تبدأ هناك في المكان الذي أصبح لدى الكثير من المراقبين السياسين في ألمانيا في عالم النسيان، وذلك لأن الإنسان في بلدنا نسي التفكر السياسي من الزاوية الشمولية العالمية...
أن يُحكم السوريون من قبل ديكتاتور من عائلة الأسد أو من حكومة ديمقراطية أو مذهبية أو إسلامية متشددة، من زاوية السياسة العالمية ليس بذات أهمية...

التقسيم إلى "جزر عالمية" وإلى منطقة " قلب الأرض "

عندما قسمت الأرض بعد عام 1900 تحت إشراف السياسة الأوروبية والأمريكية، وضع مفكري الخطط الحربية في ذلك الوقت صورة مختلفة للسياسة العالمية المستقبلية. الأنجلوساكسين ، بالرغم من أنهم كانوا آنذاك يُعدوا من القوى التي لاتهزم، بدأوا لأول مرة يشعرون بالخوف على منصبهم العالمي. السياسي الجغرافي الإنجليزي Halford Mackinder  صمم بشكل سريع قبل الحرب العالمية الأولى نظريته الفريدة من ضعف الدول البحرية تجاه الآخرين.
في ذلك الوقت كانت الفكرة الحتمية لخبير القوات المسلحة الأمريكية Alfred T. Mahan من تفوق القوة البحرية التي لاتُهزَم سائدة. ولكن Mackinder وضع حساباً معاكساً لهذه الفكرة. في تحليله الجديد وتقسيمه لمساحات الكرة الأرضية صنف دول القوة البحرية في القسم الخارجي للجُزُر، بينما صنف أوروبا وآسيا وأفريقيا بالقارات العظمى والتي أطلق عليها اسم "جزر الأرض". نواة وقلب هذه الجزر وضع منطقة "مركز الأرض" أو "قلب الأرض" والذي رأى فيه أنه هو شمال ووسط آسيا. هنا وفي محيط "قلب الأرض" هذه يقطن 7/8 سكان الكرة الأرضية، وفي هذه المنطقة يوجد القسم الأكبر على الإطلاق من مخزنات المواد الأولية في الكرة الأرضية. أسياد العالم المستقبلي ليسوا إذاً الدول الأنجلوساكسية ولا دول القوى البحرية، هذه رؤية Mackider، وإنما تلك السلطة التي بإمكانها السيطرة على منطقة "قلب الأرض".
وقبل انتهاء الحرب العالمية تطورت نظرية Mackender من أهمية "قلب الأرض" وتغير مفهومها قليلاً. Nicholas Spykman أشهر خبير أمريكي آنذاك في السياسة العالمية أنشأ أثناء الحرب العالمية النظرية ، أن للسيطرة على الكرة الأرضية ليست "قلب الأرض" وإنما المناطق المحيطة بها هي المهمة. وهذه المناطق المحيطة هي: تبدأ من اسكندنافيا خلال وسط أوروبا، تركيا، البلاد العربية والدول الآسيوية الدنيا، الهند وحتى الصين الهندية، كوريا وشرق شمال الصين. هنا تكمن في الحقيقة المناطق المؤثرة في "جزر الأرض" وهذا يعني البلاد الايروسيوية.

 منع تدخل القوى الغريبة

من هذا المنطلق وهذا التحليل وبعد وفاة Spykman عام 1943 تغيرت سياسة الولايات المتحدة من سياسة داخلية محافظة إلى سياسة عالمية. فترة الحرب الباردة يمكن القول بأن معظم الدول المشتبكة في الحرب بين الشرق والغرب تقع على هذا الخط المرسوم للدول المحيطة بمطقة "قلب الأرض" ما بين فنلندا في الغرب وكوريا في الشرق، ومعظم الحروب التي قامت بعد الحرب العالمية، من حرب كوريا، الشرق الأوسط، حرب الخليج وحتى حرب فيتنام كانوا بالضبط على هذا الخط المرسوم.    
من هذا المنطلق أصدر الأمريكان قراراً يمنع تدخل إي قوى "غريبة" في هذه المناطق الاستراتيجية وخاصة إذا كان ذلك يتعارض مع مصالحهم الشخصية.
الولايات المتحدة بدأت تتدخل بعد عام 1945 في تلك المناطق التي ترى أن لها فيها مصالح شخصية وهكذا السيطرة على الثروة النفطية مابين شرق البحر المتوسط إلى البحر العربي وأصبحت هذه المنطقة مركز انطلاق نفوذ أمريكي سياسياً في العالم، وليس أخيراً الحرب على العراق وأفغانستان وحتى من الناحية الحقوقية العالمية مالا يدعم أبداً مافعلوا بشمال شرق الباكستان.
السؤال الساخن، ما إذا على أمريكا التدخل في الأزمة السورية هو بالغ الأهمية لأنه يمثل عراكاً خطيراً بين قوتين متشددتين في النزاع على السيطرة على خزائن الأرض. أمريكا والدول الغربية لايهمهم بالدرجة الأولى مايحدث بالشعب السوري، ولا يهمهم مساعدته ولكن من سيحصل على النفوذ في هذه المنطقة بعد انهيار النظام السوري، بالرغم من أنهم حتى الآن كانوا على توافق تام بقيادته.. ومن المخططات الهامة هو ما خطط له من زمن طويل من مد أنابيب البترول والغاز التي تربط بين دول الخليج، السعودية وقطر بشرق ووسط البحر المتوسط وتركيا وذلك من خلال الأراضي السورية...

الميدالية لها وجهان!

روسيا والصين من الزاوية المعاكسة، القاعدة الروسية في البحر المتوسط في ميناء طرطوس تدخل في هذه اللعبة وتتعلق بالنفوذ الصيني الروسي في الشرق الأوسط. التوتر بين إسرائيل وإيران يجعل وجود الروس والصين من القرارات الحتمية في هذه المنطقة.
حتى الآن لايمكن التنبؤ من مِن هذه القوى المنتصر في هذه المعركة. امريكا كثيراً ما استعملت حق الفيتو لدعم مصالحها الشخصية، الحرب الغير مفهومة ضد العراق والتي أدت إلى إسقاط صدام حسين تقبلتها الصين وروسيا آنذاك على مضض كبير فقط لأن الطاقة الحربية العظمى آنذاك كانت لأمريكا. اليوم نرى الأمور قد تحولت بسبب المشاكل الاقتصادية العالمية وتورط الأمريكان في الأمور السياسية والاقتصادية العالمية، لذلك تظهر احتمال تورط أمريكا حالياً في الأزمة السورية حربياً من الاحتمالات الضعيفة.
أمريكا أخذت بعين الاعتبار الفيتو الروسي الصيني ضد قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا ولهذا فهي في غاية القلق من ضياع سيطرتها على خط المناطق الحدودية "لقلب الأرض" وانتقالها إلى النفوذ الروسي الصيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق