كيف يكون الغذاء دواءً ومتى يكون سماً؟
أريد
أن أسرد قصة صغيرة نرى من خلالها أين تكمن الطاقة الحيوية في الغذاء، الغذاء على
ماأرى ليس هو تركيبة من بروتينات وفيتامينات ومعادن وشحوم ..إلخ فحسب وإنما هناك
شيء خارج عن المادة الملموسة والذي له التأثير الأكبر على مايظهر في صحة غذائنا.
عندما
كنت في ألمانيا كان عندنا قليل من الغنم للحاجة الشخصية من حليب وألبان وأجبان
ولحم فقد كانت هوايتي صناعة الأجبان والألبان بنفسي من محصولنا الخاص، حتى نعلم
مانأكل أولاً وثانياً فإن هناك لذة خاصة لاتكون إلا من محصول عمل اليد.
الغنم
الذي كان عندي هو من فصيلة الغنم المدر للحليب وهذا النوع يلد في البطن الواحد
غنمتين إلى الأربع، ثدي الغنمة لايحتوي إلا على حلمتين للرضاعة، أي أنه باستطاعة
الأم أن ترضع حملين أما الثالث والرابع فلا مكان لهما. في مثل هذه الحالة كنت أحلب
الغنمة الأم وأعطي الحمل الصغير حليب أمه عن طريق الزجاجة، وكنت حريصاً على إعطائه
ذات الكمية التي يرضعها إخوته من الثدي، ماكان يحدث دائماً هو أن الحمل الذي يرضع
من ثدي أمه ينمو ويقوى بشكل أفضل وأسرع من إخوته الذين يتلقيان طعامهما من
الزجاجة، وتبقى هذه الغنمة صغيرة الجسم خفيفة الوزن دائماً حتى بعد الفطام وافتراس
الطعام من الحقل.
هذا
يعني أن في الطعام المباشر من ثدي الأم طاقة حيوية تساعد الحمل الصغير على النمو
السريع الصحي ليس موجوداً في الحليب نفسه من الزجاجة، ربما هي الطاقة الخفية التي
يشعر بها الحمل الصغير عند التصاقه بأمه، إنها ذبذبات العاطفة والرحمة التي
يتلقاها الحمل الصغير من الأم مباشرة والتي تتناسب مع ذبذبات أعضائه فتعمل بشكل
أفضل، الحمل الآخر الذي يرضع من الزجاجة يلقى مني العاطفة والحنان الكبير ولكن
بموجات تختلف عن موجاته الخاصة فينعدم التوافق..
ومن
هنا نجد من كلام الله عز وجل في القرآن الكريم ما يدعم هذا الاستنتاج. في سورة
الطلاق:
...
فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم
فسترضع له أخرى}.
جاء
في التفسير:
فإن تعاسروا عند طلاق
أو موت في الرضاع فإنه يعرض على الصبي المراضع، فإن قبل مرضعا صار ذلك وأرضعته،
وإن لم يقبل مرضعا فعلى أمه أن ترضعه بالأجر إن كان له مال أو لعصبته، فإن لم يكن
له مال ولا لعصبته أكرهت على رضاعه.
هنا
نجد الحرص الكبير من الله عز وجل على إرضاع الطفل من أمه أولاً، فإن كان ذلك
متعذراً فلترضع له أخرى..! ولم يقل هنا فليشرب حليباً...
أليس بالإمكان ومن
الأسهل أن يرضع الطفل من حليب البقر أو الغنم ؟
إننا لانجد في القرآن
الكريم ذكراً لهذه الإمكانية...
فصل في المحلى بأل من هذا
الحرف. [أي حرف الراء]ـ.
وجدت الكلمات في
الحديث رقم:
4525 - (الرضاع
يغير الطباع) أي يغير طبع الصبي عن لحوقه بطبع والديه إلى طبع مرضعته لصغره
ولطف مزاجه ومراد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم حث الوالدين على توخي مرضعة طاهرة
العنصر زكية الأصل ذات عقل ودين وخلق جميل والطباع ما تركب في الإنسان من جميع
الأخلاق التي لا يكاد يزاولها من خير وشر كذا في النهاية وفي المصباح الطبع
بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها قال الدميري: العادة جارية بأن من ارتضع
امرأة غلب عليه أخلاقها من خير وشر وروي أن الجويني دخل فوجد ابنه إمام الحرمين
يرضع ثدي غير أمه فاختطفه وعالجه حتى تقايأ اللبن فكان الإمام إذا حصل له كبوة في
المناظرة يقول هذه بقايا تلك الرضعة.
اليوم نرى أكثر النساء لايرضعن أولادهن
إلا أسابيع معدودة وذلك لخوف بعضهن من ترهل الثدي السريع فيلجأن إلى الحليب البقري
المصنع.
وقد
لفت نظري استاذنا الفاضل الشيخ محمود الغراب إلى مافي هذه الظاهرة من تحويل
أخلاقي وصحي في المجتمع، المجتمع الإسلامي والعربي القديم، عندما كا ن النساء
يسلمن أولادهن إلى مرضعات إن تعذر وجود الحليب عندهن، كان من المستحيل أن نرى من النساء
أو الرجال أكثر مما سمح به الشرع أن يظهر، فقد كان الحياء من إظهار العورات
فطرياً، واليوم لما أصبح الكثير يترعرع من خلال غذائه بحليب البقر في سن الرضاعة
أخذ الإنسان عادات البقر والحيوانات المخزنة في حليبها، ونحن نعلم أن الحيوانات
لاتستر عوراتها والنتيجة عند البشر اليوم لاتحتاج إلى تعليق...
وقد
كتب الدكتور Reckeweg الألماني الذي كرس حوالي 30 عاماً من عمره في دراسة
وتحليل مفعول لحم الخنزير على البشر في أحد كتبه أن "الإنسان مايأكل"
وقد لاحظ أثناء بحوثه أن الإنسان الذي يعتمد في طعامه على لحم الخنزير تظهر في
جسمه بوضوح تام تلك المنطقة التي يأكلها من الخنزير. هذا يعني أنه إن كان مغرماً
بأكل رقبة الخنزير فستصبح رقبته ضخمة كرقبة الخنزير وإن كان مغرماً ببطنه فسيظهر
بطنه على سائر الجسم..إلخ وأعتقد أننا نستطيع رؤية الفرق بوضوح كبير بين من
يعتمدون بطعامهم على اللحوم بالدرجة الأولى وبين النباتيين وذلك من خلال تصرفاتهم
ومظهرهم.